نشر قسم الأبحاث في بنك إسرائيل تقريرًا شاملا والذي يحلل مشكلة الإنتاجية المنخفضة في الجهاز الاقتصادي الإسرائيلي، ويقدّم التقرير توصيات عملية لمعالجة هذه المشكلة في السنوات القريبة.
ويذكر أنّ الإنتاجية لساعة العمل في إسرائيل أقل ب 24% مقارنةً بدول OECD. هذه الفجوة لم تتقلص خلال العقود الأخيرة، وبناءً عليه، جاء هذا التقرير لتركيز كافة الخطوات الجوهرية المطلوبة لاغلاقها، وتقديم صورة وضع شاملة للحكومة حول حجم المشكلة وسبل معالجتها. إغلاق هذه الفجوة من شأنه زيادة الأجر في العمل وهو المفتاح للارتفاع المتواصل في مستوى الحياة في إسرائيل. ويذكر أنّ هذه الفجوة في الإنتاجية في العمل تنبع إلى حد كبير من المهارات الأساسية المنخفضة للقوى العاملة في إسرائيل، وتدني مستوى البنى التحتية ورأس المال التجاري، كما أنّ هنالك حاجة للتحسين في مجال البيروقراطية والأمور التنظيميّة.
وبحسب التقرير فانّ نتائج الاختبارات الدولية تظهر أنّ جودة التعليم لدى الطلاب والخريجين في إسرائيل منخفضة. إلى جانب ذلك، تمتاز إسرائيل بعدم المساواة بشكل كبير في التحصيلات التعليمية بين المجموعات السكانية المختلفة. هذه النتائج مقلقة بسبب وجود علاقة مباشرة بين جودة التعليم لدى القوى العاملة والإنتاجية.
في أطر الطفولة المبكرة، والتي تهدف بالأساس إلى تمكين الأهالي من الخروج للعمل، يجب تعزيز العامل التربوي وزيادة الاتاحة والتمويل للأسر ذات الخلفية الاقتصادية الضعيفة، مع الحرص على عدم المس بالمحفزات للعمل للأهالي. وفي الأطر التعليمية المدرسية، فانّ رفع جودة القوى العاملة التدريسية هي الأنجع من حيث مفهوم التكلفة-النجاعة لتحسين التحصيل التعليمي وذلك مقارنةً بالبدائل الأخرى مثل تقليص حجم الصفوف وزيادة ساعات التدريس. بناءً عليه، يجب العمل على تغيير نظام المكافآت للمعلمين وشروط عملهم، بالذات للمعلمين الجدد وبشكل خاص المعلمين ذوي التأهيل المطلوب كالرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية. وذلك مع التركيز على المدارس التي تضم طلابًا من خلفية ضعيفة. تحسين الإنتاجية وزيادة جاذبية مهنة التدريس يتطلب أيضًا الاستثمار في تحسين بيئة عمل المعلمين، بالذات على ضوء تمديد مدّة مكوثهم في المدارس في إطار الإصلاحات التي نفذت في العقد الأخير في جهاز التربية والتعليم.
ويوصي التقرير بتفضيل التعليم العام خلال المرحلة الثانوية بما في ذلك التعليم التكنولوجي على التأهيل المهني، وتعزيز وتركيز التأهيل المهني في الأطر فوق الثانوية كالدورات الخاضعة لرقابة وزارة العمل والرّفاه والكليات التكنولوجية.
ويذكر أنّ تطوير التعليم المناسب لسوق العمل في أوساط الرجال الحريديم هو بالغ الأهمية لأنّ نسبتهم من مجمل السكان من المتوقع أن ترتفع بشكل كبير.
فيما يخص رأس المال التجاري فانّ الاستثمار في رأس المال المادي والابتكار وجودة الثروة البشرية يعتبر منخفضًا. في ذات الوقت، فانّ سياسة الحكومة لدعم قطاعات الجهاز الاقتصادي تتركز في قطاعات الصناعة وخدمات البرمجة. دعم رأس المال المادي والبحث والتطوير في قطاعات التصدير يزيد من غلاء أسعار بقية القطاعات. لذا فانّ التوصية هي بالالغاء التدريجي للتفضيل المبالغ به
في السياسة الضريبية ومنح رأس المال ومنح الابتكار للشركات المصدّرة على أساس تفضيل القطاع. بالمقابل، يوصى بتوسيع البرامج الداعمة لإزالة معيقات السوق التي تعيق الابداع وإدخال المعرفة الخاصّة وطرق الإدارة التي من شأنها الوصول لشركات أخرى والمساهمة في تعزيز الجهاز الاقتصادي، مع تطوير أنظمة خاصّة في هذا المجال. التكلفة السنوية المطلوبة لتنفيذ هذه الخطوات ليست كبيرة، فالحديث هو عن تغيير الأولويات وإلغاء الامتيازات القائمة اليوم في قسم من القطاعات، مع توجيه الموارد لخطوات التنجيع.
وبالنسبة للبنى التحتية المادية، فانّ نسبة الاستثمار في البنى التحتية للمواصلات العامة في إسرائيل شبيهة بمتوسط نسبة الاستثمار في دول-OECD، الا أنّ هذه النسبة بعيدة عما هو مطلوب لاغلاق الفجوة في مستوى البنى التحتية للمواصلات العامة في إسرائيل. ويوصي التقرير بزيادة حجم الاستثمار في البنى التحتية للمواصلات العامة، مع الأخذ بعين الاعتبار وتيرة النمو السكاني المرتفعة الأمر الذي يلزم مع الوقت استثمار أعلى في البنى التحتية مقارنةً بالعالم من أجل الحصول على جودة في البنى التحتية مقارنةً بالدول المتقدمة والحفاظ على هذا المستوى. ويوصى بتفضيل الاستثمار في استخدام المواصلات العامة تحت الأرض في منطقة متروبلن تل أبيب، والمواصلات العامة مع مسارات خاصّة في المناطق الأقل اكتظاظًا.
وبخصوص الأمور التنظيميّة فانّ إسرائيل تندرج في المرتبة ال-29 من بين دول ال-OECD البالغ عددها 34 من حيث التسهيلات التنظيميّة في مجال الأعمال. ويوصي التقرير بتحديد أهداف في اتفاقيات الأجور لتبني خطوات ديجيتالية في الخدمات الحكومية للقطاع التجاري وتبني عملية التوقيع الديجيتالي الذي يوفّر الحاجة إلى الوصول للمكاتب الحكومية. كما يجب تعديل التشريعات بحيث تتيح تقصير عملية إقامة المصالح التجارية، توسيعها وادارتها من ناحية والرقابة عليها فيما بعد من ناحية أخرى، وضمان أن تكون الأنظمة القائمة على هذه العمليات مموّلة بمستوى يتيح التطبيق الناجع والخدمة اللائقة.
تكلفة الخطوات المقترحة في التقرير حين يتم تطبيقها بشكل كامل خلال عدّة سنوات هي مرتفعة وتقدّر بنحو 3% من الناتج سنويًا، لكن الزيادة على الناتج في المدى البعيد أعلى بكثير وتصل إلى نحو 20%. وتشير التكلفة المرتفعة إلى عمق الفجوات التي تراكمت على مدى العقود الأخيرة وإلى أنّ الانفاق العام في إسرائيل اليوم على البنود الداعمة للنمو أقل مّما هو مطلوب لاغلاق الفجوات في الإنتاجية. ونظرًا لكون العجز البنيوي الحالي للحكومة مرتفع ومن المتوقع اتساعه بشكل كبير في عام 2021 وما بعد، من المهم أن تتهيّأ الحكومة منذ الان من حيث الأطر المالية لضمان استقرار السياسة المالية وتوفر المصادر لتمويل الاستثمارات.