أجرى محافظ بنك إسرائيل، بروفيسور أمير يارون، مداخلة اليوم في جلسة الحكومة حول ميزانيّة الدولة، فيما يلي أهم ما جاء في مداخلته:
أود أن أشكر رئيس الوزراء ووزير المالية على المناقشات التحضيرية الخاصة بالميزانية، كما أعرب عن تقديري للوزير سموتريتش وطاقم المالية على الميزانية المسؤولة، وكما أشار الوزير بشأن أهمية التنسيق بين سياسة الميزانيّة والسياسة النقدية.
تتطلب ميزانية الدولة للعامين المقبلين الحذر الشديد. من ناحية، تعرض المتغيرات الكلية للجهاز الاقتصادي صورة وضع تظهر جهازًا اقتصاديًّا متينًا. بحيث بلغ النمو في عام 2022 6.5٪ - ومستوى الناتج المحلي الإجمالي أعلى من الاتجاه الذي كان سائدًا ما قبل الأزمة. وقد عاد معدل البطالة إلى المستوى المنخفض الذي كان سائدا عشية انتشار فيروس الكورونا، ومعدل الوظائف الشاغرة مرتفع، ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي قد عادت إلى المستوى الذي كانت عليه عشية فيروس الكورونا - حوالي 61٪ من الناتج المحلي الإجمالي. من ناحية أخرى، وإلى حد كبير بسبب ارتفاع الطلب، ارتفع التضخم هذا العام ووصل إلى 5.4٪ - وهو أعلى من المستوى المستهدف البالغ 1-3٪. واتسمت الأسواق المالية في الفترة الأخيرة بتقلبات كبيرة، ومؤخراً حتى بتراجع كبير في قيمة الشيكل. تتطلب هذه التطورات مسؤولية كبيرة في إدارة سياسة الحكومة لترسيخ ثقة الأسواق، والتي بطبيعتها تتصرف أحيانًا بطريقة غير خطية. يجب تجنب السياسة المالية التي من شأنها زيادة الطلب في الجهاز الاقتصادي وبالتالي زيادة الضغوط التضخمية بطريقة تؤخر عودة التضخم إلى النطاق المستهدف وترفع أسعار الفائدة في الجهاز الاقتصادي.
يشكّل تطبيق اتفاقيات الأجور في القطاع العام واحتياجات الوزارات والمنظومة الأمنية في إطار الميزانية المقترحة تحديًا. ومع ذلك، فإن إطار الميزانية المقترحة يعبر عن المسؤولية المالية التي تأخذ في الاعتبار عدم اليقين الكبير عند بناء توقعات الإيرادات، وبالتالي يعزز المصداقية المالية للحكومة الإسرائيلية. ذكّرتنا التطورات التي حدثت في المملكة المتحدة خلال العام الماضي بعواقب الخطط المالية التي يُنظر إليها على أنها غير مسؤولة وتكلفة إصلاح الضرر عندما تتضرر ثقة الأسواق.
إنّ توقعات الإيرادات المركزية لبنك إسرائيل للعامين المقبلين شبيهة لتوقعات وزارة المالية. ووفقًا لهذه التوقعات، فإن المصادقة على ميزانية تتلاءم مع أطر الإنفاق المقترحة ستؤدي إلى عجز يقارب 1٪ من إجمالي الناتج المحلي في كل من عامي 2023 و- 2024. من المتوقع أن تؤدي معدلات العجز هذه إلى خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 60٪ في هذه السنوات، وستساهم في تعزيز الاستقرار المالي لدولة إسرائيل.
يعد إطار الميزانية المسؤول مهمًا نظرًا لتوازن المخاطر التي نراها فيما يتعلق بالإيرادات المتوقعة، والتي تميل إلى الأسفل. يجب أخذ العديد من المخاطر في الاعتبار، والتي في حال تحققت، فإن الإيرادات الفعلية ستكون أقل من المتوقع في العامين المقبلين، وإن لم تكن كذلك، فستكون في النطاق المتوسط، لذا قد يكون العجز أعلى.
أولاً، كما ذكرنا، فإن الجهاز الاقتصادي في حالة تشغيل كامل ومستوى الناتج المحلي الإجمالي أعلى من المسار متعدد السنوات. يساهم هذا الوضع في زيادة الإيرادات الضريبية، ولكن من الصعب التنبؤ بمتى وإلى أي مدى سيتغير الاتجاه، وتعكس البيئة الدولية مخاطر والتي قد انعكست من خلال الركود في الصادرات في الربع الأخير. ثانيًا، فانّ ارتفاع مستوى المدخولات بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2021 و 2022 يرجع إلى حد كبير إلى مدخولات غير اعتيادية ليست بالضرورة مستدامة - من الضرائب العقارية وبيع الأراضي، ومن سوق رأس المال، ومن حملة الأرباح المحجوزة، ومن مشتريات السيارات المسبقة، ومن المد الذي كان في الهايتك وتأثير تسارع التضخم على تحصيل ضريبة الدخل. ومن علامات هذا الخطر أننا في الأشهر الأخيرة بدأنا بالفعل نشهد انخفاضًا في جباية الضرائب مقارنةً بالفترة المماثلة من العام الماضي.
بسبب هذه المخاطر على توقعات المدخولات، يجب الحذر في هذا الوقت من زيادة النفقات بما يتجاوز الميزانية المقترحة، و/أو التخفيضات الضريبية، على أساس الوضع المالي المريح الذي يعكس تأثيرات قد تكون مؤقتة.
إلى جانب الحاجة إلى الحفاظ على المسؤولية المالية في هذا الوقت، فإن توصياتنا بشأن التدابير التي تدعم زيادة إنتاجية العمل على المدى الطويل لا تزال ذاتها. تتميز إسرائيل بمستوى استثمار منخفض مقارنة بالدول المرجعية المتقدمة، خاصة إذا تم أخذ معدل النمو السكاني في الاعتبار. لذلك، فانّ مشاريع الاستثمار المادية مثل البنية التحتية للمواصلات وإنشاء أطر تعليمية في المناطق التي يوجد بها نقص تعد مرغوبة في الظروف المالية الحالية. يؤسفني عدم وجود خطط كافية متعددة السنوات التي يمكن دفعها قدمًا في العامين المقبلين. طالما أنه من غير الممكن تسريع مشاريع الاستثمار المادية ذات العائد الاقتصادي المرتفع خلال سنوات الميزانية القادمة، فمن الأفضل الاستفادة من العجز المنخفض نسبيًا للحفاظ على الهامش المالي عن طريق خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي كما هو مقترح في الميزانية، مع بناء خطة متعددة السنوات تضمن زيادة النفقات الداعمة للنمو في الميزانية التالية. في هذا السياق، يعتبر قانون البنى التحتية الوطنية المشمول في الخطة الاقتصادية مركبًا مهمًا في القدرة على تعزيز الاستثمار في مثل هذه المشاريع.
تتضمن الخطة الاقتصادية التي قدمناها أيضًا عددًا كبيرًا من مقترحات القرارات والتشريعات في المجال المالي. عمل بنك إسرائيل، تحت قيادتي، بشكل مكثف في السنوات الأخيرة لزيادة المنافسة في مجالات الخدمات المصرفية والمدفوعات، مع الحفاظ على متانة الجهاز المصرفي وموثوقية نظام الدفع في الجهاز الاقتصادي. لسوء الحظ، فإن بعض المقترحات الواردة في مسودّة قانون التسويات قد تحقق الهدف المعاكس تمامًا، وسأجري حوارًا مشتركًا ومفتوحًا مع وزير المالية حول هذا الموضوع.
وفي الختام، فإن وضع الجهاز الاقتصادي جيد، ولكن بسبب مستوى التضخم وفي ظل المخاطر في البيئة الدولية والمحلية، من المهم الحفاظ على ميزانية مسؤولة كما تم عرضها اليوم، وكذلك الحذر في إجراء تغييرات سياسية.